مفهوم العقيدة الإسلامية وأركانها

مفهوم العقيدة الإسلامية لغة واصطلاحاً

مقدمة

تُعد العقيدة الإسلامية من أهم أركان الدين الإسلامي، إذ تمثل الأساس الذي يبني عليه المسلم علاقته مع الله سبحانه وتعالى ومع الكون من حوله. فهي مجموعة من المعتقدات التي يرتبط بها المؤمن في طاعته لله، وهي العقيدة التي تشكل محورًا في فهمه لوجوده وغايته من الحياة، وتحدد طريقة تعامله مع نفسه ومع الآخرين في إطار من العبادة والطاعة والخلق الحسن.

تتعدد مفاهيم العقيدة الإسلامية وتتنوع ما بين تعريفات لغوية واصطلاحية، لكنها في النهاية تصب في معنى واحد هو الإيمان الجازم بما أتى به القرآن الكريم والسنة النبوية، بدون أدنى شك أو تردد. ويعتبر فهم العقيدة الإسلامية أساسًا لفهم سائر شؤون الدين الحنيف.

أولاً: تعريف العقيدة لغة

العقيدة في اللغة العربية مأخوذة من الجذر اللغوي “عقد”، وهو من الأفعال التي تدل على التماسك والربط، إذ تقول العرب “عقد الشيء” إذا ربطه وأحكمه. أما “عقَدَ” فتعني “أجمع”، “أوثق” و”ثبت”. ومن هنا يتضح أن العقيدة في أصلها اللغوي تعني ما يربط الإنسان ويربط قلبه وفكره ووجدانه بعقيدة ثابتة لا تزعزعها الشبهات ولا تعصف بها الرياح.

ومن المعاني المرتبطة بـ “العقد” في اللغة العربية، نجد أن العقيدة تُفهم أيضًا على أنها ما يثق به المرء ويؤمن به إيمانًا راسخًا، بحيث يكون من المستحيل التراجع عنه أو التشكيك فيه.

ثانيًا: تعريف العقيدة اصطلاحًا

في الاصطلاح الإسلامي، يمكن تعريف العقيدة على أنها: “الإيمان الجازم الثابت بما جاء به الدين الإسلامي من أصول في الإيمان بالله سبحانه وتعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، واعتقاد كل ما يتعلق بها من معاني وأحكام وتفاصيل، دون شك أو تردد”.

العقيدة الإسلامية هي بمثابة الإطار الذي يحدد ملامح الإيمان ويجعل المؤمن يتوجه في حياته اليومية نحو تحقيق رضا الله والتمسك بمنهج الإسلام في كل شؤون حياته. فهي تشمل الإيمان بالقلب، وتقر به اللسان، وتترجم إلى أفعال وسلوكيات في التعامل مع الخلق. العقيدة لا تقتصر على المعرفة الذهنية أو الفكرية فقط، بل هي مزيج من العلم والإيمان والتطبيق العملي.

ثالثًا: أركان العقيدة الإسلامية

تتضمن العقيدة الإسلامية عددًا من الأصول التي تشكل أركانها الأساسية التي لا يمكن للمسلم أن يعتنق الدين الإسلامي دون الإيمان بها. وقد عرف أهل العلم العقيدة الإسلامية بأنها عقيدة توحيدية خالصة تتعدد أركانها وتفاصيلها، التي هي:

1. الإيمان بالله:

يعتبر الإيمان بالله تعالى أساس العقيدة الإسلامية وأصلها. وهو الإيمان بوجود الله وحده لا شريك له في ذاته وصفاته وأفعاله، والإيمان بأنه الخالق المدبر للكون كله، والمستحق للعبادة وحده دون سواه.

2. الإيمان بالملائكة:

يعد الإيمان بالملائكة ركنًا آخر من أركان العقيدة الإسلامية. فالملائكة هم مخلوقات من نور خلقهم الله تعالى لأداء وظائف مختلفة، مثل حمل الوحي إلى الأنبياء والقيام بالأعمال التي تتعلق بنظام الكون وتنفيذ أمر الله.

3. الإيمان بالكتب السماوية:

الإيمان بالكتب السماوية يعني تصديق المسلم بأن الله أنزل كتبه على أنبيائه ورسله، مثل التوراة والإنجيل والقرآن الكريم، وكل كتاب منها كان هدى للأمة التي أُنزل عليها، إلا أن القرآن الكريم هو الكتاب الخاتم الذي نزل ليبقى إلى يوم القيامة.

4. الإيمان بالرسل:

الإيمان بالرسل يعني التصديق بأن الله أرسل رسلًا إلى الأمم ليرشدهم إلى الطريق الحق. وقد أرسل الله العديد من الأنبياء والرسل، بدءًا من آدم عليه السلام، وصولًا إلى خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم.

5. الإيمان باليوم الآخر:

الإيمان باليوم الآخر يشمل التصديق بيوم القيامة وما فيه من جزاء، من حساب وميزان وجنة ونار. ويتضمن هذا الإيمان بالبعث بعد الموت وحياة البرزخ، وحساب الأعمال، وجزاء الإنسان على ما قدم من خير وشر.

6. الإيمان بالقدر:

الإيمان بالقدر هو الاعتقاد بأن كل شيء في حياة الإنسان يتم وفقًا لمشيئة الله تعالى. وهذا يشمل كل ما يقدره الله من خير أو شر، ويرتبط بذلك إيمان المسلم بالقضاء والقدر.

رابعًا: أهمية العقيدة الإسلامية

تمثل العقيدة الإسلامية أساسًا في حياة المسلم، وتعتبر ضوءًا يهديه إلى الطريق الصحيح في فهمه لوجوده وهدفه في الحياة. فالإيمان بالعقيدة الإسلامية هو الرابط القوي الذي يربط المسلم مع ربه ويعينه على مواجهة الصعوبات التي يواجهها في حياته. علاوة على ذلك، فإن العقيدة تؤثر بشكل كبير على سلوك المسلم وأخلاقه، فهي ترسخ في قلبه أسمى القيم مثل الصدق، الأمانة، الرحمة، العدالة، والحلم.

كما أن العقيدة الإسلامية تقدم للمؤمن إطارًا حياتيًا متكاملاً يرتبط فيه كل جوانب الحياة، من العبادة إلى التعامل مع الناس، وحتى الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وبالتالي، يصبح المسلم ملتزمًا بمنهج رباني ينظم حياته ويضمن له النجاح في الدنيا والآخرة.

خامسًا: مصادر العقيدة الإسلامية

تستند العقيدة الإسلامية إلى عدة مصادر أساسية، أهمها القرآن الكريم والسنة النبوية. فالقرآن الكريم هو كتاب الله الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليكون هداية للبشرية. ويعد القرآن المصدر الأول للعقيدة الإسلامية، حيث يحتوي على العديد من الآيات التي تبين أصول الإيمان وأركانه.

أما السنة النبوية، فهي كل ما ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، وهي تفسر وتوضح ما جاء في القرآن الكريم. إذ تكمل السنة النبوية القرآن في تفسير أصول العقيدة وتفاصيلها، وتوفر للمسلمين نموذجًا عمليًا للتطبيق.

كما لا يمكن إغفال دور إجماع الأمة وعقلها، وهو ما يمثل فهم علماء الأمة وتوافقهم على بعض القضايا الدينية التي يتفقون عليها في إطار الشرع.

سادسًا: تطور العقيدة الإسلامية

على مر العصور، واجهت العقيدة الإسلامية العديد من التحديات الفكرية والعقدية، والتي ظهرت في شكل فرق ومذاهب فكرية حاولت التلاعب ببعض مفاهيم العقيدة. ومع ذلك، ظلت العقيدة الإسلامية الصافية التي أسسها القرآن الكريم والسنة النبوية هي السائدة، وقد تصدى العلماء الأوائل لهذه الأفكار المنحرفة، مثلما فعل الإمام الأشعري في مواجهة المذاهب العقلية والفلسفية في العصر العباسي.

وقد ساهمت المدراس الفكرية مثل المدرسة الأشعرية، والماتريدية، والسلفية، في تقديم أطروحات فكرية تمثل الدفاع عن العقيدة الإسلامية كما وردت في الكتاب والسنة.

خاتمة

إن العقيدة الإسلامية تمثل ركيزة أساسية لا غنى عنها في حياة المسلم، وهي بمثابة الميثاق الذي يجمع بين المؤمنين على الحق. وما يميز العقيدة الإسلامية عن غيرها من العقائد هو شمولها ووضوحها، إذ تؤمن بجميع الأنبياء والرسل، وتحث على الإيمان بكل ما جاء به الله، وتربط الحياة بالدين بشكل متكامل. وبذلك، فإن العقيدة الإسلامية لا تقتصر على مجرد معتقدات عقلية، بل هي عقيدة حيّة تمسّ شتى جوانب الحياة الإنسانية، من العبادة إلى السلوك، ومن الأخلاق إلى المعاملات.